يد الحائط

في نظر بعض المهتمين في الحضارة العراقية القديمة تعبر قصة (وليمة الملك بيلشاصر) الملك البابلي التي ورد في احد اسفار التوراة – دانيال / الاصحاح 5 فقرة 25- حكاية اسطورية لاتمت لارض الواقع ولم ترد في السجلات الاثارية ولم يشير لها من قريب او بعيد اي رقيم طيني يذكر ، سيما انها صورت في السفر التوراتي بالاهمية كونها حدث محوري في تاريخ ذلك الملك البابلي ، ولكن انا هنا لا اناقش فرضية حدوثها من عدمه انما اخذ جزء منها وهو الحدث الذي بني عليه بعض الامور وهو قصة (يد الحائط).

نجد في النص التوراتي الذي حمله لنا الاصحاح الخامس من سفر دانيال – الفقرة 25- ان الملك بيلشاصر دعى عظمائه الاف الى وليمة..الخ وحدث انه بالقرب من جلوسه على عرشه الذي كان يضم على مقربة منه عائلته واسرته ان يد كتبت على الحائط 4 كلمات هي:-

MENE MENE TEKEL PARSIN

منا منا تقيل بارسين

ولجهل الملك والحضور بما مكتوب ومعناه استدعى الملك كبار منجمي وسحرة وحكماء بابل لفك رموز او معاني تلك الكلمات لكنهم عجزو عن الالمام بما تعنيه.

وحسب الشروحات التلمودية لتلك الحادثة قيل ان تلك الكلمات كانت باللغة الارامية التي يجهلها الكلدان واهل بابل ! وهذا الرأي التلمودي والذي تنساق اليه ايضا مقررات ورؤية الكابالا في تفسير الحادث يعتبر في نظرنا مترهلا للغاية سيما واننا امام حضارة عريقة كالبابلية وامام اقوى منجميها وحكمائها وسحرتها ، وجاء في الاصحاح الانف الذكر:-

انهم عجزو عن هذا !

هذه الاعتبارات اليهودية نجدها ساذجة وسفسافة لان اللغة الارامية معمول بها في الديوان العراقي القديم في الامور الادارية في الحضارة البابلية والاشورية منذ عام 1100 ق.م واستمرت 500 عام كلغة ادارية فهل من المعقول ان اهل بابل او كبار حكمائها وسحرتها لايعرفون الارامية؟!

للخروج من المأزق تدارك بعض الكاباليين وشارحيها وايضا بعض رجال الدين اليهودي بالقول ان اصحاب الوليمة اصابهم عمى وقتي! كما حدث مع اهل سدوم وهذا الافتراض يزيد تعقيد القصة ومصداقيتها والرأي اليهودي فيها ويضعهم كالعادة في موقف مضحك لان الاصحاح نفسه يرد على مثل هذا الافتراض بالنفي المطلق ضمنا لانه جاء فيه ان الملك ومن معه راى بالاصل تلك الكلمات وطلب تفسيرها فعن اي عمى وقتي يتحدثون؟! ولنفرض انه حصل ثم جاء الحكماء والسحرة مبينا السفر انهم عجزو ، فهل عجزو عن رؤية ما هو مكتوب باعتبار اصابهم العمى ام عجزو عن فك الحرف الارامي الذي كتب على الحائط؟ ولو حصل ان اصابهم عمى وقتي فإن الامر ليس بالصغير الذي يتناسى الاصحاح ذكره او الاشارة اليه لانه حدث عظيم.

رجوعاً الى ماتناولته في اسطري الاولى انني لا اناقش صحة الواقعة من عدمه ولا القصص التوراتي الذي ساقه لنا في ذلك السفر انما سادرج ثلاث فرضيات هي:-

  • الحادث وقع بالفعل كم السياق التوراتي
  • الحادث وقع بالفعل ولكن ليس بالسياق التواتي
  • الحادث لم يقع ولايوجد عنه اي مرجع اثاري

نميل في رؤيتنا الى الافتراض 2 باعتبار ان الافتراض 1 يقع بدائرة الشك وانه لايستند على اي دليل تاريخي مدون ولا اي شاهد اثاري فالافتراض 2 هو الاكثر مرونة كونه لايستبعد وقوع الحادث الا انه لايأخذ بالسياق التوراتي او شروحاته ، ولاننا لانملك شواهد تاريخية للحدث كما الافتراض الـ3 فأننا ننفي ان يكون حدثاً ملكيا.

الشواهد التاريخية تفند الشروحات التلمودية اوالافتراضات الكابالية التي اعتبرت ان الكلمات ارامية وان اهل بابل وحكمائها لم يفهمو الارامية ، كما انه لايفوتنا ان نذكر امراً هاما هو ان سفر دانيال كتب بالاصل باللغة الارامية وهذا يرجع بنا الى انه السفر التوراتي – دانيال- كتب باللغة التي يفهمها اهل العراق تلك الفترة ، وان شراح التلمود والكابالا وقعو بمأزق كبير حين اعتبرو الكلمات تلك كتبت بالارامية كونهم يعلمون ارامية السفر ذاك.

نرجع لمعالجة اخذنا بالافتراض الـ2 الى ان الكلمات لم تكن لغوية او ارامية واننا نستبعد هذا لان الارامية كلغة تعتبر مستخدمة في بابل ويفهمها الخواص ولن نقول عامة اشعب ، ونعتبر ان يد الحائط وما خطته لم تكن لغوية انما كانت اشارية ورمزية وهذا مايجعل السحرة والحكماء عاجزين عن فك معناها ، ولكن الشارح التلمودي والكابالي الذي يأخذ بفكرة التكسير العددي والحرفي لابد من ان يوظف صيغ حرفية او رقمية لاجل انشاء اسقاطات دينية تخدمه وتقوي وجوده ومصداقيته وان وجود رموز او اشارات غير حرفية او عددية لايمكن ان تقدم له اي اسقاطات تاويلية لصالحه لذا كان لابد ان يعتبر تلك كلمات وليس اشارات رمزية .

الامر الاخر والذي لايقل اهمية عن ماجاء اعلاه والذي بدوره يعالج الافتراض الـ3 انه لاتوجد اي من الشواهد التي تثبت انها وقعت بمناسبة وليمة الملك بيلشاصر فإن المنطق البحثي يحتم علينا انه اذا اعتبرنا انها حدثت بالفعل ، فإنها لم تحدث بالبلاط الملكي ولم تكن ذات اهمية حتى يكتب عنها تاريخيا او تدون برقيم طيني وهذا يقوي الافتراض الـ2 الذي نعتمده ، كوننا لاننف الحادث كواقع انما لانأخذ سياقاته ومفرداته كما القص التوراتي ونشكك فيها ، وانها كانت لها حيثيات اخرى وسياقات مختلفة بعيدة كل البعد عن الاسلوب والهدف اليهودي وتعبر عن امور لاتمت بصلة والقصص التوراتي لها لنكمل ماجاء بالسفر:-

فسر دانيال النبي كلمات الحائط وقال للملك ان ملكك سيزول .. وقام الملك باغداق دانيال بالعطايا الملكية اثر تفسيره..!

كيف استنتج دانيال ذلك الامر من MENE MENE TEKEL PARSIN؟ لان شراح التلمود والكابالا يحتاجون اي صيغة لاثبات مصداقيتهم لابد ان يجدو طريقة معينة لتثبيت سلطتهم التشريعية والقانونية فابتكرو تلك الاحجية اللغوية واعتبروها ارامية ثم اعتبرو ان اهل بابل وكبار سحرتها ومنجميها وحكمائها لايفقهونها ، واعتبرو انهم هم من يفهمها ويشرحها ويسقط فيها المعاني والتأويلات التي ترسخ وجوده واستمراره.

اخيراً نعثر على رؤية مغايرة لكل ماحدث تتناول امرا مختلفاً يعالج شيء من الحدث وهو نفي حروفية وارامية ماكتب على الحائط وهذا يتناسب وفكرتنا التي قدمناها انفاً، كما يحيلنا الى انها كونت رموزاً او اشارات غير حرفية ، لكن ماهي ولاي هدف؟

هذا ما يرتكز عليه فئة اخرى مختلفة بتاتاً وغرائبية لايهمها كل ماورد اثباتاً او نفياً ، انما تعتبر ان يد الحائط رسمت اشارات او لطخات هي الاصل الذي ولد منه فن العرافة بالزيت (lecanomancy) والذي هو بالاصل يرجع الى 2000 الى 3000 قبل الميلاد وبدأ تحديدا مع الاكاديين والاشوريين وقيل انه هناك ستة الواح طينية كتبت باللغة الاكادية 3 منها تعود للبابلية القديمة واخر للوسطى تفسر علامات الزيت والكهانة به وكيفية عمله..

 

ملخص المنشور

  • كيف استنتج دانيال ذلك الامر من MENE MENE TEKEL PARSIN؟ لان شراح التلمود والكابالا يحتاجون اي صيغة لاثبات مصداقيتهم لابد ان يجدو طريقة معينة لتثبيت سلطتهم التشريعية والقانونية فابتكرو تلك الاحجية اللغوية واعتبروها ارامية ثم اعتبرو ان اهل بابل وكبار سحرتها ومنجميها وحكمائها لايفقهونها ، واعتبرو انهم هم من يفهمها ويشرحها ويسقط فيها المعاني والتأويلات التي ترسخ وجوده واستمراره.
  • هذا ما يرتكز عليه فئة اخرى مختلفة بتاتاً وغرائبية لايهمها كل ماورد اثباتاً او نفياً ، انما تعتبر ان يد الحائط رسمت اشارات او لطخات هي الاصل الذي ولد منه فن العرافة بالزيت (lecanomancy) والذي هو بالاصل يرجع الى 2000 الى 3000 قبل الميلاد وبدأ تحديدا مع الاكاديين والاشوريين وقيل انه هناك ستة الواح طينية كتبت باللغة الاكادية 3 منها تعود للبابلية القديمة واخر للوسطى تفسر علامات الزيت والكهانة به وكيفية عمله.
  • MENE MENE TEKEL PARSIN.
  • انهم عجزو عن هذا .
  • منا منا تقيل بارسين.

اكتشاف المزيد من شريف هزاع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.