جغرافية الاماكن الروحية -1-

القسم الاول : فلسفة المكان من هرمسية كوبرنيكوس الى عقلانية غاليلو

موضوع المكان كمفهوم فلسفي او فيزيائي وهندسي لايغطيه مقالي هذا ابدا ولكن من الضروري ان اشرع كمدخل لفهم المكان الروحي انطلاقا من مفاهيم فلسفية للمكان الذي يعتبر معضلة تناولتها المدرسة الايونية منذ طاليس ، فكان لابد من رؤية فلسفية تتجاوز الاشكالات الفلسفية القديمة واجد ان مشروع كانط الفلسفي غني بأن يقدم لنا الكثير كونه الاكثر متانة وقوة في فهم المكان كما جاء في كتابه (نقد العقل المحض) ومن صفحاته الاولى ينشيء المعرفة العقلية ، ولاهمية المكان كان اول مابداء به كانط في اول صفحات مجلده الفلسفي موضوع المكان ثم موضوع الزمان ليرسخ المفاهيم الفلسفية والفكرية لفهم الية المعرفة العقلية والرؤية النقدية في فهم الوجود والاشياء وبالرغم من ان مدخله كان انطلاقا من تعريف المكان هندسيا ثم فلسفيا الى انه يصل بنا للقول انه “لا يمكننا اذن الكلام عن المكان والاشياء الممتدة الا من وجهة نظر الانسان” (كط63) ولان اسلوب كانط غاية في التعقيد اقف امامه عاجزا عن فهم كل مايطرحه فكان لابد ان استعين بما قدمه شرحا ونقدا للفلسفة الكانطية المفكر الروسي اوزبينسكي.
البناء الفلسفي في الكانطية يدرس ثنائية الزمان والمكان ودورها باعتبار انهما مقولات قبلية لايمكن للعقل تجاوزهما ، ومن زاوية اخرى نجد ان النظام الثنائي في الفهم يقوم على وجود او فهم الاول بواسطة نقيض الثاني “ان الزمان والمكان هما ظرفان ضروريان للادراك الحسي”(اوز18) والفلسفة الحديثة التي انطلقت من النسبية تجد صهر الزمان بالمكان كما اصطلح عليه انشتين الزمكان ، رجوعا الى المكان كمفهوم هندسي نجد ان احداثيات XYZ جاءت لتوضح لنا المكان على انه فضاء عالجته الهندسة الاقليدية من المسطح الى المجسم اي من كونه حالة قياس للهندسة المسطحة لاجل فهم احداثياته ثم الى المجسمة على انه نقطة لها حيز من الوجود ، لكن ” لماذا يجب ان يقتصر المكان على ثلاثة اتجاهات مستقلة؟”(اوز30)
المهندسون لايرون مانعاً ان يكون هناك ابعاد اخرى يمكننا منها ان نفهم الابعاد المجسمة الثلاثة للمكان والحيز وهذا نفي للقياسات المحدودة التي قالت بها الاقليدية بشكل او باخر ومنها نفهم ان الحيز الذي نستخدمه لتصور الاشياء في العالم حصر بالابعاد المحدودة النهائية بينما هو امتداد لانهائي فكيف يكون له بعد نهائي محدود؟ حين نفكر باربعة ابعاد سوف نفتح افقا جديداً وقوة متطورة في اعمال العقل البشري ، وهذه معالجة جاءت من دحض مركزية كوبرنيكوس الذي يجد مركزية الشمس الى غاليلو الذي نفى ذلك وجعل من المكان امرا لانهائيا وغير محدود ، فمع غاليلو، بدأ الفهم التقليدي القديم للفضاء والمكان والحيز بالتآكل والتحول من النظرة التي سادت العصور الوسطى بمركزية الشمس يتآكل ويندثر، ليتحول من النظرة الثابتة السائدة في العصور الوسطى إلى فهم أكثر مرونة على اعتبار انه ديناميكي حركي في حالة تغير مستمر ، من هذا نصل الى ان المكان لايمكن فصله عن الوجود الانساني ولايعتبر في نظري قضية مبتكرة بقدر ماهو جزء من البناء المعرفي لدى الانسان كما اعتبره كانط ،”المكان هو تصور ضروري قبلي يشكل اساساً لجميع الحدوس الخارجية”(كط61) ولايمكن ان ننشيء معرفة دون وجود عنصر المكان لانه ركن من المعرفة التي اطلق عليها كانط مصطلح (المعرفة القبلية) “خارج المكان لايوجد اي تصور ذاتي آخر متعلق بشيء خارجي يمكن ان يسمى قبليا ، موضوعياً لاننا لن نستمد منه اي قضايا تأليفية قبلية كتلك التي تستمد من حدس المكان” (كط63) مسيرة البشرية منذ ان بدأت كان التحصيل المعرفي جزء يسير مع خط تقدمها وتطورها “الزمان والمكان مصدران معرفيان”(كط68)، وتناول الفلسفة قديما المكان او الفضاء على انه ركن من البناء الفيزيقي للعالم والاشياء ، ثنائية الزمان والمكان التي يمكننا فهمها فلسفيا من النسبية انها وحدة كلية تفصلها معادلات رياضية او هي حسب قول انشتين الزمان انطواء مكاني وهذا يعني ان المكان انطواء زماني ، لكن ادراكنا للزمان والمكان يعتبر ادراكا عقليا وحسيا بنفس الوقت “اثناء ملامسته للعالم الخارجي بواسطة اعضاء الحواس ، ولايوجد الزمان والمكان في العالم الخارجي بمعزل عن اتصالنا به.. لان المكان والزمان نتاج تصنيفات العقل” (اوز18) ، فنحن في حالة ادراكنا للعالم ادراكا مكانيا زمانيا “نسقط احاسيسنا الى الخارج ، نصور الواقع المستمر لانفسنا كسلسلة من اللحظات الزمنية المتتالية ، لان الشيء الذي ليس له امتداد محدد في المكان ولايشغل حيزاً معيناً من المكان ولايدوم لفترة زمنية معينة . لاوجود له اطلاقاً” (اوز19)

ان لانهائية وامتداد فكر غاليلو يأتي معالجاً قضية ذات بعد عميق وان سمي رياضيا او فلكيا الا انه انساني يتناول المحدود والممتد اللانهائي لكن بالوقت نفسه يمكننا قياسه في ثلاثة اتجاهات نسميها ابعاد المكان ، ولكن لماذا ثلاثة فقط وليس عشرة او خمسة عشر؟ هذا ما لانعرفه(اوز33).
اذا كان الفضاء هو امتداد لانهائي في جميع الاتجاهات كما غاليلو فإن الشرط اللانهائي يحتم علينا افتراض ابعاد لانهائية في ادراك المكان ، هذه الابعاد الثلاثة التي لازلنا لم نخرج منها الى ابعاد اخرى هي المعادلة العقلية التي تبين محدودية الوعي والعقل الان ، فوعينا هو وعي عادي محدود وغير تجاوزي متطور الى البعد الرابع و”لايزال هناك بعد رابع لسبب ما غير معروف ولا يمكننا الوصول اليه ، اي انه بالاضافة الى الابعاد الثلاثة التي نعرفها ، من الممكن وجود متعامد رابع خفي . هذا الافتراض يقوم علمياً على افتراض ان هناك اشياء وظواهر في العالم لاشك في وجودها ، لكنها غير قابلة للقياس من حيث الطول والعرض والارتفاع وتقع خارج المكان الثلاثي الابعاد”(اوز 35) وانا ارجع هنا الى غاليلو كما مركزية كوبرنيكوس التي كانت محاولة منه ومناسبة لعصره كصورة لتجسيد اللانهائي او الى فلكية غاليلو والامتداد الرياضياتي للمكان هندسيا لاربطها برؤية طاليس التي كانت ايضا تعبيرا منطلقا من عصره ومفاهيمه الاصطلاحية الى ان المكان قد يتجاوز بعده الثلاثي كحيز الى بعد الرابع والذي لانزال نجهل قياسه او رصده رياضيا وعلميا، طروحات المدرسة الايونية منذ طاليس الذي قال ب3 مباديء رئيسة في فلسفته هي:-
تطفو الأرض على الماء The earth Floats on the Water
الماء هو السبب المادي لكل الأشياء Water is the materail cause of all things
كل الأشياء مملوءة بالآلهة All Things are full of gods
ساقف على المقولة الاخيرة لطاليس واجدها احد اهم الركائز في فهم الاماكن الروحية او روحية المكان انطلاقا من مقولة لطاليس الثالثة التي ساجردها من محمولها اللفظي القديم واذهب الى ابعاد الكلمة على انها اشارة لفهم المكان على انه حالة من الامتلاء الروحي وان فيه بعد رابع او ابعاد لانهائية، وفي النظرية الكونية التي تنطلق من الهرمسية- الغنوصية- فإن الاماكن الارضية متغيرة قابلة للفساد والانحلال فهي ضمن ابعادها المحدودة والنهائية ، تقع دائرة الكون والفساد تحت قبة الاعلى االسماوي اي تقابلها اماكن سماوية غير قابلة للانحلال والفساد وان بقاء الارضي وثباته وعدم فساده وانحلاله يأتي من تماشيه وتطابقه مع العلوي بلا انزياح ومغايرة ومن هنا ولدت فكرة <اليوتوبيا> على انها ايجاد مكان غير قابل للفساد والانحلال ، وجغرافية الاماكن الروحية هي الشكل الوحيد القائم فعليا من اليوتوبيا..


الهوامش
1 عمانوئيل كانط: نقد العقل المحض ترجمة موسى وهبة مركز الانماء القومي بيروت لبنان
2 بيتر ديميانوفيتش اوزبينسكي : اداة الوعي الثالث ترجمة ايمن ابو ترابي دار الفرقد دمشق سورية2021

 

ملخص المنشور

  • ساقف على المقولة الاخيرة لطاليس واجدها احد اهم الركائز في فهم الاماكن الروحية او روحية المكان انطلاقا من مقولة لطاليس الثالثة التي ساجردها من محمولها اللفظي القديم واذهب الى ابعاد الكلمة على انها اشارة لفهم المكان على انه حالة من الامتلاء الروحي وان فيه بعد رابع او ابعاد لانهائية، وفي النظرية الكونية التي تنطلق من الهرمسية- الغنوصية- فإن الاماكن الارضية متغيرة قابلة للفساد والانحلال فهي ضمن ابعادها المحدودة والنهائية ، تقع دائرة الكون والفساد تحت قبة الاعلى االسماوي اي تقابلها اماكن سماوية غير قابلة للانحلال والفساد وان بقاء الارضي وثباته وعدم فساده وانحلاله يأتي من تماشيه وتطابقه مع العلوي بلا انزياح ومغايرة ومن هنا ولدت فكرة <اليوتوبيا&gt.
  • على انها ايجاد مكان غير قابل للفساد والانحلال ، وجغرافية الاماكن الروحية هي الشكل الوحيد القائم فعليا من اليوتوبيا.
  • الماء هو السبب المادي لكل الأشياء Water is the materail cause of all things.
  • كل الأشياء مملوءة بالآلهة All Things are full of gods.
  • تطفو الأرض على الماء The earth Floats on the Water.

اكتشاف المزيد من شريف هزاع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.