مفاتيح هيكاتي

الرموز التاريخية او الأسطورية المتعددة المصادر أصبحت محملة بطاقة وتشفير في اللاوعي الجمعي ، لا أقول ان لها تأثير مباشر انما هي تقف على حافة الوجود والعالم الإنساني ، وكانت عملية ولادة تلك الاساطير نوع من الاستجابة العقلية والروحية لسد ثغرة او تأويل حديث لتنظيم افق فكري وفلسفي مفسر وفق نظام هي تفترضه وتؤسس له مفردات وصيغ وبرمجة مخصصة في العقل البشري المستجيب لها او الداخل ضمن مدار حركتها الوجودية في الحياة.

أصبحت عملية ارتباطنا بها والدخول اليها يقع ضمن نسقها كمعنى والذي تكون بالتراكم الزمني او التاريخي فحولها من الشكل الأسطوري كقصص قديم الى الرمزية اللغوية والوظيفية كمعنى وودلالة وإحالة ، ذات طبيعة تولدت باللاوعي الجمعي ، أي اننا نصبح بوقتها ضمن ترددات التأثير والاستجابة وليس الارتداد للماضي الأسطوري او الايمان به ، فكثير من الاساطير وان كانت ضرورة موضوعية حسب زمن ولادتها وانتشارها ، هي مادة فارغة لدى الكثير في العصر المتقدم الحديث ، يحكم عليها بالخرافة واللاواقعية ، وانها شكل من اشكال العقل البدائي السقيم الذي أراد الانفلات من ورطات زجت به الحياة ، فكان علاجه لتلك الإشكالات او الورطات تأتي بصيغة القصص الأسطورية ، لكن ما اراه انا – رأي غير ملزم – ان الأسطورة في حقيقتها الان شكل ثابت متجمد في الزمن وظيفتها القصصية القديمة غير مؤثرة وعنصر خامل ، الا بعنصر محفز متفاعل معها تتحول الى الوظيفة اللغوية والمعنى والترميز المحمل بطاقة اللاوعي .

واذا رجعنا الى بعض الكتابات التي تعتبر عبقرية في طروحاتها كتحليلات العالم الكبير ك.غ.يونغ فإن الاساطير من حيث المعنى حاضرة دوما في حياتنا وليس من حيث القصة والحبكة القديمة بل بالمعنى الوظيفي والبنائي للمجتمع او للذات البشرية واستدل ربما على تأثيرها انها تحولت الى حالة ترميز في الاحلام يصطلح عليها بالانماط البدائية او الاشكال والبنى الأولى ، وكان المشروع اليونغي في دراسته للرمزية في الانسان والعالم بداية الانتباه لمثل تلك الدراسات الجادة التي تدرس الأسطورة من جانب اخر ، مختلفة عن الدراسات التاريخية او الانثربولوجيا كما وانها انسلخت من ثوب التبعية والقولبة القديمة ، ودراسة الأفكار وتأثيرها بات احد الركائز الهامة في البحوث الحديثة التي ترى ان الكثير من الأفكار المعاصرة لها جذر او خيط رابط بينها وبين نظام اسطوري تتناوله بشكل مغاير ، الا انه ضمن معنى واحد وهذا ما أشار له المفكر والناقد الكبير رولات بارت في رصده لولادة الاسطوريات في النظام النسقي في المدينة المعاصرة ودراستها كنظام دلالي وبنائي.

 

اسطورة هيكاتي

هذا المدخل السابق الذي مهدت فيه لاجل الدخول الى (هيكاتي) ليس فقط من حيث معناها الأسطوري في اليونانية والرومانية انما أيضا اقتراب المسيحية وولادتها وحالة المعالجة والاقصاء الذي تم على كثير من الأصعدة منها ما يتعلق بهيكلة النظم الاجتماعية فهيكاتي كانت اهم عنصر لابد من معالجتها لتحويل النظام الماتريركي الى الباتريركي أي تحويل النظام الاجتماعي من حيث البنى التكوينية والتشريعية وغيرها من النظام الامومي الى الابوي والحكم الذكوري ، والذي يتضمن إشارات إلى العنف ، وكراهية النساء ، واستحواذ النظام الأبوي ، ولا اجدني بحاجة للتفصيل بهذا الان حيث يمكنك الرجوع الى مقال مقتضب تناولت فيه هذا بشيء من التفصيل (راجع اقصاء الماتريركية والنظام البتريركي).

كان احد المبررات لاقصاء هيكاتي التي تمثل بالاساطير التوازن بين النور والظلام انها تحولت الى رمز للشر والشعوذة والسحر وهو الشيء الذي حصل بتاريخ دخول الرومانية الى المسيحية فغالباً ما كان يُنظر لها بشكل خاطئ ، على أنها رمز للشر والفوضى والسحر السيء خلال الفترة ما بين نهايات الإمبراطورية الرومانية وحتى العصور الحديثة فتحولت هيكاتي من معناها الأول (الام العظيمة) الى (ام الساحرات والشر) ، لكنها رغم هذا تعتبر رمزية هيكاتي انها مرشد الأرواح كما اليونانية (Psychopomp).

اقصاء الام العظيمة من مكانتها كتوازن كوني الى ام الساحرات الشريرات انعكس أيضا من تفتيت مهامها الوظيفية الأخرى لان هيكاتي ترتبط بالطب والشفاء العقلي والجسدي والنفسي وطب الأعشاب والعلاجات السحرية العشبية حيث ان بنتا هيكاتي (ميديا ​​وسيرسي) ، ساهما كثيرا في نشر ممارسة “فارماكيا”، أي طب روح النبات كما في الأساطير القديمة التي تتناول قصص حول الشفاء بالنباتات ، كما وترتبط أيضا بالشجاعة ودخول عالم الروح او الرحلة الروحية ، لتمنحنا سبيلاً واضحة وقوياً للتحول الروحي ، كونها التي تسكن مفترق الطرق –مصطلح سحري مركزي- وتعيننا على الاتجاه الصحيح كونها التي تقف بين عالمي الاثير والمادة او الروح والواقع المادي

 

هيكاتي حارسة المفاتيح

ان كثير مما يعتبر سحراً او خارقاً للطبيعة هو في حد ذاته تأثير عقلي وصنع مجال طاقي مؤثر وفاعل في الحياة ، هذا ينطبق على الفكر الأسطوري أيضا ، لان السحرية هي اهم أداة تأويلية للاساطير المؤسسة للعقل القديم ، هيكاتي ذات الوجوه الثلاثة الهة وسيدة مفترق الطرق وحارسة المفاتيح ، التي تمثل رحلتنا الأرضية الى الغموض وفهمه والدخول الى عالم عجائبي مختلف ، محملة بمعان كبيرة أهمها المفاتيح التي هي شكل رمزي للدلالة العميقة على الوصول إلى المعرفة الخفية والتحول والتحكم بها ، فغالبا ماتصور وهي تحمل مفاتيح ، التي ترمز إلى قدرتها على كشف أسرار العوالم الخفية وحمايتها كون .

المفاتيح رمز للسيطرة والقدرة على المرور بالاماكن الحدية للانتقال السهل من / الى كما يرمز الى حماية الأبواب والدخول والخروج ، يمثل المفتاح القدرة على تجاوز الحدود، الذي يمنحنا من خلالها الوصول الى المعرفة الخفية وفهم الغموض وبلوغ الحكمة والبصيرة لاجل التطور الروحي والنفسي وإطلاق العنان لإمكانات المرء الداخلية والقدرة على الوصول إلى طبقات من الغوض بشكل عميق في جوهره ، يمثل المفتاح في رمزية هيكاتي فتح العوالم المادية والروحية ، الذي يتيح لنا الوصول إلى المعرفة والحماية والقوة التحويلية.

ملخص المنشور

  • هذا المدخل السابق الذي مهدت فيه لاجل الدخول الى (هيكاتي) ليس فقط من حيث معناها الأسطوري في اليونانية والرومانية انما أيضا اقتراب المسيحية وولادتها وحالة المعالجة والاقصاء الذي تم على كثير من الأصعدة منها ما يتعلق بهيكلة النظم الاجتماعية فهيكاتي كانت اهم عنصر لابد من معالجتها لتحويل النظام الماتريركي الى الباتريركي أي تحويل النظام الاجتماعي من حيث البنى التكوينية والتشريعية وغيرها من النظام الامومي الى الابوي والحكم الذكوري ، والذي يتضمن إشارات إلى العنف ، وكراهية النساء ، واستحواذ النظام الأبوي ، ولا اجدني بحاجة للتفصيل بهذا الان حيث يمكنك الرجوع الى مقال مقتضب تناولت فيه هذا بشيء من التفصيل (راجع اقصاء الماتريركية والنظام البتريركي).
  • اقصاء الام العظيمة من مكانتها كتوازن كوني الى ام الساحرات الشريرات انعكس أيضا من تفتيت مهامها الوظيفية الأخرى لان هيكاتي ترتبط بالطب والشفاء العقلي والجسدي والنفسي وطب الأعشاب والعلاجات السحرية العشبية حيث ان بنتا هيكاتي (ميديا ​​وسيرسي) ، ساهما كثيرا في نشر ممارسة “فارماكيا”، أي طب روح النبات كما في الأساطير القديمة التي تتناول قصص حول الشفاء بالنباتات ، كما وترتبط أيضا بالشجاعة ودخول عالم الروح او الرحلة الروحية ، لتمنحنا سبيلاً واضحة وقوياً للتحول الروحي ، كونها التي تسكن مفترق الطرق –مصطلح سحري مركزي- وتعيننا على الاتجاه الصحيح كونها التي تقف بين عالمي الاثير والمادة او الروح والواقع المادي.
  • كان احد المبررات لاقصاء هيكاتي التي تمثل بالاساطير التوازن بين النور والظلام انها تحولت الى رمز للشر والشعوذة والسحر وهو الشيء الذي حصل بتاريخ دخول الرومانية الى المسيحية فغالباً ما كان يُنظر لها بشكل خاطئ ، على أنها رمز للشر والفوضى والسحر السيء خلال الفترة ما بين نهايات الإمبراطورية الرومانية وحتى العصور الحديثة فتحولت هيكاتي من معناها الأول (الام العظيمة) الى (ام الساحرات والشر) ، لكنها رغم هذا تعتبر رمزية هيكاتي انها مرشد الأرواح كما اليونانية (Psychopomp).
  • اسطورة هيكاتي.
  • هيكاتي حارسة المفاتيح.

اكتشاف المزيد من شريف هزاع

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.