الانعكاس الثالث
القصة قصتنا
لقد ترك لنا الادب القصصي كثير من المعطيات التي عالجت رؤيته لسحرية المرآة بشكل رشيق متنوع مختلف لكل منه اسلوبه في القصص التي اخذتنا الى عوالم ما وراء الوجود الحسي والواقعي فالأدب كان له دور بارز في شهرة المرآة السحرية كونها محاطة بالدهشة والغرائبية وربما لم نكن نعرفها بهذه الغزارة لولا الادب القصصي الذي اشبع خيالنا .
من خلال الادب نذهب الى بوابة العواطف – الأرواح – التحول الاكسيري الى الشباب- كسر اللعنات – تحطيم الشعوذة…الخ ، واذا بنا امام كم هائل من القصص والأفكار والاحلام والامنيات التي نريد ان تحققها لنا المرآة السحرية ، ويبقى لو اننا قدرنا على العثور على مرآة سحرية واحدة فقط تكشف عيوبنا ، لكان ذاك اعظم اكتشاف انساني على مر التاريخ لكن لامجال لذلك الا ان نحققها بالمثول امام وصية حكيمة قديمة تقول:-
انظر الى نفسك بالمرآة حين منافقاً في موقف ما او تكون ساخراً ، لانك ستجد وجهك الحقيقي خلف تلميحات الانعكاسات التي تنقل لك بواطن ذاتك.
فكرة ارتباط المرايا بالعالم الروحي في الأدب والأفلام والثقافة الشعبية جعلها اكثر تداولا وانتشاراً وساهم في زيادة غموضها أيضا وطرح التساؤلات عنها كونها تصور لنا الأرواح والاشباح والبوابات التي ندخل منها الى عوالم أخرى ومقابلة الكيانات ومواجهة تشظي الذات ومقابلة الأرواح وعالم الموتى وخوارق الطبيعة ، وتبقى القصص التشويقية والخيالية والمرعبة دور كبير في تشكل نظرتنا الى المرآة السحرية فالاقزام السبعة والساحرة الشريرة للاخوين غريم او للعوالم السحرية التي طرحتها رواية آليس عبر المرآة للويس كارول وقصص جاءتنا من اسبانيا او البرتغال او الهنود الحمر والفلكلور الجرماني والسلافي وغيره يبين ان لها مكانة كبيرة في الطروحات السحرية التي اثرت على بناء القصص والحكايات وتأثيره علينا ككل ، ونجد بالنهاية ان للمرآة كان لها بالفعل دور روحي او نفسي او طاقي مؤثر.
مرآة ماتسوياما
البواعث النفسية والمشاعر المرتبكة تخلق في المرآة بوابة للعواطف لاجل الدخول لها ليس على انها حالة حقيقية من الوعي بل على انها حالة ضرورية لسلامة واستمرار الوعي بعد ذلك ، فالتأمل امام المرآة ياخذنا الى مواجهة بواطننا وامانينا كما في مرآة ماتسوياما التي كانت تعكس ذاتها العميقة التي طفت الى السطح بعد زمن من حالة الادراك ، انها حالة تأكيد الذات المؤجلة بفعل العاطفة ، فتشكل اثر المرئي المنعكس اعتقاداتها واحلامها التي بدورها تتحول عبر الزمن الى حقائق مادية محسوسة ، وكأنها تحول ان تبين لنا امر اخر لايقل أهمية عن الأول هو ان اعتقاداتنا وافكارنا عرضة للتغير والتبديل بفعل الزمن.
مرآة ماتسوياما قصة يابانية تحكي عن فتاة متعلقة بأمها كثيراً ، لكن الام تصاب بمرض مأساوي فتقوم باهداء ابنتها مرآة صغيرة وتقول لها حين تستفقديني بعد رحيلي انظري الى المرآة فسوف تريني..
ماتت الام وتركت الابنة والمرآة ، وكانت الفتاة تنظر الى المرآة مراراً فذهلت بعد حين انها بالفعل كانت ترى وجه أمها ، مما دفعها للاعتقاد الجازم ان روح والدتها تسكن المرآة ، لكن بعد سنوات ادركت ماتسوياما أنها لم تكن ترى وجه والدتها في المرآة ، انما كانت ترى وجهها هي الذي بدأ يتشكل وينمو ليكون طبق الأصل عن أمها المتوفاة.
أخيرا أقول ان أي قصص وحكايا وردت في تراث الإنسانية موضوعها المرآة تعتبر هي قصة تحكي عني ، واذا طالعتها انت فإنها تحكي عنك !..
اكتشاف المزيد من شريف هزاع
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

